تقييم الأداء.. هل من سبيل إلى العدالة فيه؟

قياسي

“يا أخي التقييم ظلمني والبونص ما جاء على تعبي اللي تعبته”، هذا النص يتداول كثيرًا بين الموظفين بعد التقييم، وبعد إعلان نتائج تقييم الأداء يسعد البعض وعلى النقيض يرى البعض أن التقييم مجحف، ظالم، وهذه سنة الحياة، ولعلي استعرض نماذج مختلفة لأشكال التقييم الوظيفي، وهدفي السعي للوصول مع القارئ لمعلومات تجعلنا نتفق حول نوعية الأسلوب الأفضل للتقييم في محاولة للوصول لتقييم عادل.

بداية لنتفق على أن ما يكون صالحًا لإحدى المنظمات كأسلوب تقييم قد لا يصلح لمنظمة أخرى، وإن كانوا يعملون سويًا في نفس القطاع؛ وذلك لحتمية وجود اختلافات في المهام والأنشطة وفي السياسات الداخلية، بل في الأساس هي مختلفة في بالاستراتيجيات وبالغايات والأهداف التي يقيم الموظف بناء عليها.

في الماضي شاع بين المنظمات التقييم بناء على مطابقة النتائج للخطط بغض النظر عن معيار الكفاءة، وفي هذا إهمال لكمية المدخلات المستخدمة خلال العمليات التحويلية للحصول على المخرجات (النتائج) أي أنه على الموظف أن يؤدي المطلوب منه فقط، دون مراعاة إهدار الجهود أو الموارد.

ويصنف التقييم بحسب التكرار وبحسب المستوى التنظيمي وبحسب الطريقة المستخدمة، وبالنسبة للتكرار فذلك يعود إلى المنظمات من ناحية توفر الموارد لديها وحجم أعمالها وحجم فريق عملها ونوع المهام المناطة بكل موظف؛ فبعض المنظمات تقيم موظفيها بشكل شهري/ ربع سنوي/ نصف سنوي/ سنوي، وبعضها تكتفي بالنصف سنوي والسنوي والبعض يكتفي بالتقييم السنوي فقط، وكل ذلك كما أسلفت يعود إلى قدرة المنظمة وحجم أعمالها، فمنظمة حجم أعمالها صغير وروتيني لن تحتاج لتقييم شهري، ومن ناحية حجم فريق العمل، فبعض الفرق صغيرة لدرجة عدم وجود أهمية لتقييم كل فرد فيها، وبعضها كثير لدرجة صعوبة التقييم، وفي الغالب كلما زاد عدد الموظفين زادت أهمية التقييم لضرورة الكشف عن الاختلافات وتقديم التقدير اللازم للمتميزين.

وقد تلجأ بعض المنظمات لتقييم كل موظف بتوقيت مختلف، فمندوب المبيعات يتطلب تقييم يومي وأسبوعي وشهري، بينما سكرتير المدير يكتفى بالتقييم الشهري له، أو ربما النصف سنوي، فالمندوب عملياته بحجم أكبر ما يعني صعوبة تقييمه بشكل نصف سنوي؛ لصعوبة التقييم عند تراكم البيانات، بينما يمكن تقييم سكرتير المدير بشكل نصف سنوي، فعملياته أقل بكثير من مندوب المبيعات. وللتوضيح فإني أشبه مندوب المبيعات بالمصرف، وسكرتير المدير بمكتب عقارات (مع وجود فوارق في التشبيه) ، فالمصرف يتعامل يوميًا بعمليات كثيرة لو أجل جردها اليومي لصعب عليه أن يقوم بالمهام في اليوم التالي، فسيختلط الحابل بالنابل، بينما يمكن لمكتب العقارات أن يقيم أداءه كل فترة، وأهمية الجرد اليومي للمكتب أقل من أهمية الجرد للمصرف.

وتختلف المنظمات في مسألة المستوى التنظيمي الممارس للتقييم، فبعضها يجعل من المدير المباشر مقيمًا، وبعضها يجعل من الزملاء بالإضافة للمدير المباشر، وقدم البعض فكرة مبتكرة تتمثل في تقييم المرؤوسين لرئيسهم، ومن ناحية أخرى جعل البعض من جميع أو بعض من يتعامل معهم الموظف مقيمين له، كزملائه ومديره المباشر ومدير مديره ومرؤوسيه بل وقد يقوم الموظف بتقييم نفسه أيضًا، وإن كنت شخصيًا أفضل النوع الأخير وهو المسمى بالتقييم الجماعي رغم صعوبته في المنظمات كبيرة الحجم.

ومن الأنواع المعاصرة الشائعة في المنظمات التقييم الجماعي والتقييم الفردي، وتقدير الفريق، وسأبدأ بالأكثر استخدامًا ثم الأقل، على أن تضعوا في الحسبان أن الأسلوب الأفضل يعود إلى قابلية الأسلوب للتطبيق في المنظمة ومناسبته لطريقة العمل فيها.

الأسلوب الأكثر شيوعًا هو أسلوب التقييم الفردي رغم عيوبه الكثيرة، وكثرة الاعتراضات عليه إلا أنه مازال الأكثر شيوعًا؛ لسهولة القيام به، فهو أسلوب يستأثر فيه المدير المباشر بتقييم مرؤوسيه بناء على معايير محددة سلفًا، ويعاب على هذا التقييم بوجود احتمال كبير بتأثره بالعلاقة بين المُقَيِم والمُقَيَم، إما بالسلب أو بالإيجاب، ويعاب عليه بضيق المدى، فالمدير لا يرى إلا النتائج المباشرة، فهو قد لا يعلم عن تعامل الموظف مع مجموعته.

يأتي بعد أسلوب التقييم الجماعي، وهو يقوم على أساس أن الفرد تقيمه الجماعة، وهو يغاير أسلوب التقييم الفردي، ففي الفردي الفرد هو من يقيم الجماعة، بينما في الجماعي الجماعة هي من تقيم الفردي، وفي هذه الحالة كل من يتعامل مع الموظف يقيمه، كالزملاء والعملاء والمدير المباشر ومدير المدير…الخ وفي هذه التقييم تحل مشكلة استئثار المدير المباشر بالتقييم، ويستفيد الموظف بأن يعرف نقاط قوته ونقاط ضعفه، ورغم إمكانية تأثر هذا النوع بالعلاقات، فيتحيز البعض لمواقف سابقة، إلا أن تأثير التحيز في هذا النوع أقل من الأسلوب الفردي، لتعدد المقيمين ولأن لكل واحد منهم وزن ترجيحي سيكون صغيرًا إذا ما قارناه بباقي الأوزان المجمعة لباقي المقيمين.

وفي المستوى الثالث يأتي أسلوب تقدير الفريق وهو يقوم على مبدأ الزميل يقيم زميله، وهذا النوع يستعمل في حالة وجود مهام جماعية وفرق عمل.

ولدى كثير من الموظفين تساؤل حول أحقية المدير بأن يقيم مرؤوسيه، وأن مرؤوسيه لا يقيمونه، ولعل من المستحسن ذكر أن المدير له مدير يقيمه، ورغم ذلك، إلا أن التقييم هذا ليس كافيًا، فنظرة رئيس الرئيس ليست كنظرة المرؤوسين، فالرئيس لا يستطيع أن يتعامل بشكل غير لائق مع رئيسه، بينما يمكنه ذلك ببساطه مع مرؤوسيه، وعلى كل حال فإن جميع هذه الأنواع تشترك في نقطة ضعف تتمثل باحتمالية وجود تحيز؛ لمواقف سابقة، أو لعلاقات بينهم.

ولعلي في نهاية المقال أطرح تساؤلًا،، هل صادفتم يومًا ما موظفًا راضِ عن تقييمه بنسبة 100% ؟