أيهما أولى.. مهارات المدير أم شخصيته؟

قياسي

يروى أن الملك جيمس الأول قال ذات مرة: “إنني أستطيع أن أجعل من الرجل لوردًا*، ولكن الله العظيم وحده هو الذي يستطيع أن يجعله نبيلًا”، ولعل هذا الأمر ينطبق على كثير ممن يشغلون مواقعًا وظيفية تضعهم في موقع من يدير أو يرأس الأفراد. على أي حال، أدبيات الإدارة تحوي الكثير من المواضيع التي مازالت تحظى بكثير من الجدل، بل ومازال النقاش حول كثير منها قائمًا كالإجابة على سؤال من هو المدير المناسب؟

: أيهما أولى.. مهارات المدير أم شخصيته؟ : أيهما أولى.. مهارات المدير أم شخصيته؟

في الواقع كثيرًا ما تذهب هذه النقاشات إلى تصنيف الأشخاص ومواءمتهم مع الوظيفة المحددة إلى معاملين أثنين، ما يملكه من مهارات وقدرات حالية وما يستطيع أن يحصل عليه في المستقبل، ورغم أهمية هذه العناصر، ولكن هناك جانب لا يقل عنها أهمية، بل ربما يفوقها في حالات كثيرة وهو شخصية وسلوك المرشح/ـة؛ فللأسف الشديد، تميل كثير من المنظمات إلى تعيين المديرين بناء على جوانب عدة لا علاقة لها -في المجمل- بما يرتبط بشخصيته، فضلًا عن سلوكه والآثار المتوقعة من تعيينه على المنظمة في الجوانب المتعلقة بثقافة المنظمة. من مر بتجربة التعامل مع مدير لديه مشاكل في الشخصية والسلوك ربما فهم واستوعب فكرة المقال من العنوان، بل وربما استحضر تجاربه السابقة أو الحالية وخلص إلى نتيجة تأثرت -حتمًا- بتجاربه.

إن لمشكلة ميل المنظمات لتعيين المديرين بناء على الشهادات والقدرات الوظيفية مع إغفال أهمية الشخصية والسلوك تأثير لا يتعلق بثقافة المنظمة فحسب، بل وباستمراريتها على المدى البعيد، ناهيك عن حتمية خسارتها للكفاءات، بل والعملاء. فالمعتل في شخصه سيعكس شيئًا مما في شخصيته إلى بيئة المنظمة فتجده متساهلًا أو ربما متشددًا ينقل ما فيه من عقد إلى بيئة المنظمة فيفسدها ثم يفسد علاقتها مع عملائها وهكذا! أذكر في هذا المقام قصتين وقفت عليها شخصيًا. الأولى كانت لمدير يرى تفاوت وجهات النظر هجومًا على شخصه، وعدم طاعته مخالفة لإرادته “السامية”، لا داعي لأن أذكر أن نهاية تلك المنظمة كانت مظلمة حالكة إذ نأت عنها الكفاءات وصار أعداؤها أكثر من عملائها؛ فالكل رفع شعار اللهم سلم سلم. أما المدير الثاني، فقد كان مديرًا لا يمكن لأحد التشكيك في قدراته أو مهاراته ناهيك عن تأهيله العالي، ولكنه كان مهزوز الشخصية ضعيف الإرادة فاقد العزم ما تسبب في عجزه عن اتخاذ كثير من القرارات، بل وتدخل بعض مرؤوسيه في صلاحياته بشكل أفسد بيئة العمل وتسبب بتعطيل مصالح عملاء المنظمة.

يجب على المنظمات أن تضع في الحسبان جوانب الشخصية والسلوك عند تقييم المرشحين لأي منصب إداري صغر أو كبر، وكم مرة سمعت أن شخصًا ترك وظيفته بسبب مدير سيئ؟ ماذا لو كان السؤال كم مرة سمعت أن شخصًا استمر في وظيفته بسبب مديره الجيد؟ أنا شخصيًا سمعت عن مدير حث موظفيه على السرقة إذ كان يحسم على “المحاسبين” ما يساوي المبالغ الزائدة في الصندوق فلجأوا -ولست في مقام التبرير هنا- إلى أن يسرقوها بدلًا من أن يُحسمَ مثلها من مرتباتهم! إن الأثر السلبي لشخصية وسلوك المدير السيئ قد يبقى حتى بعد زوال سلطته الإدارية فالعلاقة مطردة بين شخصية المدير السيئ وانقسام المنظمات وخلق ما يسمى “بالشللية” فضلًا عن تشويه صورة المنظمة وإفساد بيئتها وإشغال من بعده بأمور لن تكون ضمن أدنى اهتماماته -كالعمل على المشاكل الداخلية ومعالجة الانقسام- لو لم يسبقه مدير لديه مشاكل في شخصيته وسلوكه.

وأخيرًا عزيزي متخذ قرار تعيين المدير تذكر: تستطيع أن تجعل الرجل مديرًا، ولكن الله -سبحانه- وحده من يستطيع أن يجعله مديرًا نبيلًا!

  • اللورد لقب شرف إنجليزي

عبد الله عبد العزيز الغزي

06-06-1444 هـ