تحيز المطرقة الذهبية وعقلية الثور!

قياسي

لو قُدر لك مشاهدة “مصارعة الثيران” فربما لاحظتَ أن سلوك الثيران نمطي متكرر فالثور يركض ثم يرفع رأسه لينطح بقرنيه وهكذا دواليك. وربما فكرتَ وتساءلتَ -كما فعلتُ- ألا يوجد طرق أخرى -قد يستخدمها الثور- لمصارعة مع يصارعه؟ بالتأكيد يوجد، ولكنها عقلية الثور وسلوكه! فهو يكرر هذا السلوك لأنه يعتقد أنها هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع الأمر.

على أي حال، قرأت قبل فترة مقولة -منسوبة لأبراهام ماسلو- أظن أنها تلخص حال الكثير من الناس، تقول: “إذا كانت الأداة الوحيدة التي لديك هي المطرقة؛ فستغريك أن تعامل كل شيء على أنه مسمارًا!”، وقد عبرت عن هذا سابقًا “بتغريدة” قلت فيها: “تفاوت الناس في فترات إنجاز المهام مرجعه بالدرجة الأولى أنهم يفترضون أنها لا تنجز إلا بطريقة واحدة فقط” وما أكثر ما نفعل ذلك!

تجد البعض يستخدم نفس الطريقة والأداة للتعامل مع الأشياء المختلفة ما يوقعه في “تحيز المطرقة الذهبية” بسبب “عقلية الثور” فهو ينطلق من الخاص للعام دون مراعاة الاختلافات في الأشياء من حيث الطبيعة والحاجات. ومن ذلك تجد محاولات عابثة من الطالب والرئيس والمرؤوس وغيرهم لاستخدام مطرقتهم الذهبية في كل مكان؛ فالطالب -على سبيل المثال- يستذكر مقرر الرياضيات كما يدرس لمقرر الفقه أو العكس وكأنهما متماثلان، والمدير يستخدم طريقة واحدة في التعامل مع الموظفين -المتأخرين على سبيل المثال- مخطئًا في افتراضين، تشابه المرؤوسين وصلاحية الطريقة (المطرقة) للجميع.

بعد هذا، ربما تملكك التساؤل عما إذا كنت تعاني من نفس المعضلة ولديك تحيز الأداة -كما يسميه أبراهام ماسلو- ولكنك لم تشعر به، ولعلي هنا أوضح بعض النقاط التي يمكن استخدامها لمراجعة طرق وأدوات القيام بالأشياء لتجنب أو تقليل احتمالية التأثر بهذا النوع من التحيز، وهي بشكل عام:

  • أعط نفسك فرصة للتفكير: إذا ما حدث وواجهت شيئًا جديدًا فتوقف قليلًا وفكر فيه حاجات العمل وقدراتك وهل هما متوائمان؟ وبعد ذلك انتقل إلى الخطوة التالية.
  • البحث عن الطرق الشائعة: في أحيان كثيرة يكون سبب هذا التحيز حداثة العمل وجهلنا فيه ولذلك نتعامل معه تعامل المستكشف غير المجرب فنقوم بتعميم تجاربنا السابقة عليه رغم اختلافه. في مواقف كهذه يفضل التعرف على ما يفعله الآخرون في الأعمال والمهام نفسها أو ما يشابهها على أن نخرج بالطريقة التي تناسب قدراتنا.
  • فكر فيما تعاني منه: ربما تعاني من صعوبات في الكتابة، في أداء مهام معينة، في تنفيذ أعمال هي بالنسبة للبعض من أسهل الأعمال، وهنا أذكّر على أهمية تكييف النفس مع الأعمال، بل وتكييف الأعمال مع النفس وقدراتها “اللي تكسب به العب به”، وهو نفسه المبدأ الذي يستخدم كثيرًا في المسابقات التنافسية ككرة القدم مثلًا؛ فتجد بعض المدربين يدرك تميز فريقه من الناحية الدفاعية وضعف قدراته -أي الفريق- الهجومية فيعتمد خطة يوظف فيها إمكانيات فريقه (اللاعبين) فيما يحقق هدفه بالإمكانيات الموجودة.
  • تحقيق الهدف لا يعني النجاح التام: راجع نفسك بين الفينة والأخرى والطرق التي تتبعها في إنجاز الأشياء وتذكر أن النجاح يعني الفعالية، ولكنه لا يعني بالضرورة تحقيق الكفاءة؛ لذلك راجع طرقك في إنجاز الأشياء بشكل مستمر بما يرفع من مستوى كفاءتك.

أذكر هنا قصة أحد طلاب الدكتوراة الذي كتب يدويًا قائمة المراجع المستخدمة في رسالته.. نعم حقق الفعالية، ولكن بأي درجة من الكفاءة؟ حقق هدفه بكتابة قائمة المراجع، ولكن بأي جهد ووقت؟ ليتضح هذا المثال -لغير المجربين- إليك هذه المعلومة: كتابة مرجع واحد بشكل يدوي تستغرق بحساب الوقت -فضلًا عن الجهد- ما لا يقل عن خمسة أضعاف ما تستلزمه تلك التي تنفذ بواسطة البرامج المختصة.

وختامًا تذكر: وفرة المعلومات ليست مشكلة عصرنا، بل نقص المهارات وكثرة التركيز على معالجة نقاط الضعف على حساب الانطلاق من نقاط القوة.

عبد الله عبد العزيز الغزي

03-02-1444 هـ