إغراق التكلفة الغارقة.. هروب للأمام!

قياسي

لدى المختصين في الأعمال مصطلح يسمى “التكلفة الغارقة” (Sunk Cost) ويشير هذا المصطلح إلى ما تم بذله من مال أو وقت أو جهد بشكل يتعذر معه استرداده. توسع هذا المفهوم ووصل من عشرات السنين إلى مجالات أخرى مثل علم النفس وغيره بما يدور معظمه حول فلك اتخاذ القرار الناجع، وقد حيث وصلت كثير من الدراسات إلى ما مفاده أن جزءًا من القرارات التي يتخذها الأشخاص والشركات هي لتعويض تكلفة غارقة ستضل غارقة بما يجعل من القرارات التالية للقرار الأصلي مجرد “زيادة الطين بلة”.

من أوضح الأمثلة التي يمكن استخدامها هنا سوق الأسهم، فبعض المستثمرين يخسر في سهم ما ثم يستمر بالشراء فيه بشكل عشوائي -رغم أن ظروف السهم والسوق طبيعيتان- على أمل أن هذا السهم الذي مازال في نزول مستمر سيرتفع في المستقبل يعوض كل الخسائر، ولكن ما يحدث حقيقةً أن هذا المستثمر يزيد من خسائره بإغراق التكلفة الغارقة فينقلها من عمق النهر إلى عمق البحر، بل والمحيط! وهكذا يفعل جزء ليس باليسير من الناس في قراراتهم المهنية والاجتماعية.

تأمل في حال قراراتك التي اتخذتها، ستجد أن كثيرًا منها -سواء المهنية أو الاجتماعية- تأثرت بمثل هذا الشيء، فقد تجد مثلًا أن قرارك بالاستمرار في مسار مهني معين ليس إلّا زيادة لخسائر القرار الأول. ولعلي هنا أشير إلى نقطة في غاية الأهمية حول ما يفعله كثير منّا دون شعور وهو اعتقادهم بأن الوقت كفيل بحل المشاكل -مهنية كانت أو اجتماعية- فيتخذون ما سميتهُ “قرار اللا قرار” وينتظرون -بسذاجة وأحلام وردية- أن يكون في طيات المستقبل ما يحل مشاكلهم. نعم، قد يكون الوقت كفيلًا لحل بعض المشاكل، ولكن ينبغي أن يكون هذا قرارًا يُتخذ بشكل صحيح مدروس وليس على طريقة “وش بيدي أسوي غير كذا؟”

على الرغم من أن بعض “التكاليف الغارقة” تكون ظاهرة وملحوظة للغير إلّا أن متخذ قرار إغراق التكلفة الغارقة نفسه قد لا يشعر بما يفعله وذلك لعجزه أن يخرج من الإطار الذي وضعه في ذهنه عن القرار الأساسي. بالإضافة إلى ذلك، يلعب مفهوم “تكلفة الفرصة البديلة” دورًا كبيرًا بشكل ربما يكون مدفوعًا بشكل أو بآخر بوصمة الفشل، ناهيك عن حقيقة أن البعض قد لا يجيدون اتخاذ القرارات الحرجة لأنفسهم بدون مساعدة. على أي حال، ربما يكون من المناسب هنا طرح بعض النقاط لأخذها في الحسبان لتجنب الوقوع في فخ إغراق التكلفة الغارقة!

  • المراجعة الدورية: وتبدأ بسؤال النفس، ما هي الخطة الأصلية؟ هل هذا هو الطريق الصحيح؟ ماذا عن المستقبل؟
  • الاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص: وهذه نقطة في غاية الأهمية إذ أن من يتعامل مع فكرة بشكل مستمر قد يغفل عن بعض أبعادها لأن منظوره مدفوع بشخصيته وأهدافه وخلفياته تعليمية كانت أم اجتماعية أو ثقافية، في حين قد تنظر “العين الثالثة” إلى الأمر نفسه من منظور مختلف فيخرج متخذ القرار بنظرة أكثر شمولية تعكس السياق الفعلي للوضع الحالي وتبعاته.
  • هل أنا بخير؟ نسمع كثيرًا عن ضرورة اتخاذ القرارات في أوضاع نفسية ومالية مستقرة، ولكن -للأسف- كثيرًا من قرارات إغراق التكلفة الغارقة ليست إلّا ردة فعل سلبية أو قرارات اتُخذت في ظروف غير طبيعية، فتجد أن البعض يكمل الدراسة في تخصص لا يرغب فيه لأن شخصًا عزيزًا لا يرغب باغضابه طلب منه ذلك.. إلى آخر القصة التي يعرف معظمنا نهايتها!

وختامًا، قد ينحت الإنسان صخرةً في دقيقة ما لا ينحته خرير الماء في عشرين سنة!

07-07-1444 هـ

Twit: @AGhizzi7