وهم المعرفة وكبرياء التعالم

قياسي

قد تستمع لمتحدث ما، ثم يذكر مصطلحًا ما بلغتك الأم أو بلغة أخرى مسبوقًا بـ “كما تعرفون.. إلخ” مفترضًا أن الجميع فعلًا يعرفون، وليست المشكلة هنا، بل في أنه لا أنت ولا أي أحد من المستمعين يطلب من المتحدث توضيحًا للمصطلح ومعناه.. فكم مرة كنت في هذا الموقف الصعب؟

يقع معظمنا في مثل هذا الموقف نتيجة لأمور عدة، أبرزها الخوف من الظهور بمظهر “الجاهل بالشيء” وكذلك الخجل من السؤال، والخسارة هنا كبيرة؛ فقد يتسبب سكوتك بضياع الكثير من النقاط التي يفترض بها الترابط، ولأن فهم الشيء فرع من تصوره فكيف لك أن تفهم ما يدور حوله الكلام إن فقدت التصور الذي عبر عنه المتحدث بمصطلح أو بمسمى معين؟

في عام 1999 أجرى الباحثان ديفيد دونينغ وجوستن كروجر -وهما علماء نفس- دراسة على مجموعة من الطلاب الجامعيين لمعرفة مدى صحة التقييم الذاتي الذي يمنحه كل طالب لنفسه في مجموعة محددة من القدرات والمهارات كالتفكير الناقد واللغة الإنجليزية وغير ذلك، وبعد ذلك تمت مقارنة التقييمات التي منحها كل طالب لنفسه بقدراتهم الحقيقية، واتضح أن الطلاب الذين منحوا أنفسهم تقييمات منخفضة هم الطلاب الأفضل علمية ومهاراتيًا، وليس في هذا الأمر أي مفاجأة؛ فسبب منحهم لأنفسهم تقييمات منخفضة -خاصة في المهارات- أنهم يعتقدون أن الأمور السهلة بالنسبة لهم سهلة على الجميع. ولكن المفاجأة الحقيقية كانت في أن الطلاب الذين منحوا أنفسهم تقييمات عالية هم الطلاب الأضعف والسبب هنا أنهم واقعون بما اطلق عليه لاحقًا “تأثير دونينغ وكروجر”، وهو تأثير يكون الشخص فيه واقعًا تحت وهم أنه يمتلك المعرفة والقدرة نتيجة سوء التقدير أو للرغبة بالظهور بمظهر معين، كالظهور بمظهر العالم.

 

وقد يتبادر لذهن البعض سؤالًا حول ما الذي يضمن لهم أن من يستمعون لهم ليسوا تحت تأثير دونينغ وكروجر؟

إن أكثر من يقعون في مشكلة التحدث لأناس واقعين تحت تأثير دونينغ وكروجر هم من يلقون المحاضرات والدروس سواء الصفية منها أو اللاصفية؛ ولذا فعليهم أن يعودوا أنفسهم على توضيح المصطلحات المهمة بشكل يجعل من التوضيح جزءً من المحاضرة أو الدرس، بسرعة واختصار لا يخل بالمعنى، فعلى سبيل المثال، عندما تلقي محاضرة ما، لا يجب عليك أن توضح كل مصطلح أو مفهوم فيها بشكل مطول، بل يكفي أن تطرح مثالًا سريعًا يوضح المعنى وبهذه الطريقة تحقق المنشود بدون أن تظهر بمظهر من يوضح الواضحات -لمن يعرفون معنى المصطلح- وفي نفس الوقت لا تترك أحد ممن هم تحت تأثير وهم المعرفة غارقًا في وهمه!

 

ومن ناحية أخرى كيف لمن هو تحت تأثير دونينغ وكروجر أن يتصرف؟ والإجابة على ذلك بالتمرن على ثلاثة أمور وستساعدك -بإذن الله- على الخروج من ذلك التأثير:

  • كن شجاعًا: فلينظر الناس لك نظرة الجاهل، ونظرة كهذه خير لك من أن ينظروا لك كعالم وأنت لست بذلك.
  • لا للتأجيل: لا توهم نفسك بأن المعرفة الكاملة يمكن الحصول عليها في وقت لاحق؛ فدائمًا ما يختار بعضنا أن يؤجل البحث عن المعنى لاحقًا، ولكنه يفقد فرصة الربط العالي التي سيحققها في حالة فهمه للمعنى وباقي كلام المتحدث.
  • تواضع: وما المشكلة لو سألت سؤالًا حتى لو كان بدائيًا؛ فلست بحاوٍ للعلم كله ولو كان لك مع عمرك عمرين آخرين !

 

كلمة أخيرة:  حاول أن لا تستخدم مصطلحات بلغة لا يعرفها المستمع؛ فقد تساهم بفعلك هذا بإيقاع شخص  بوهم المعرفة وكبرياء التعالم!

 

عبدالله الغزي

هـ1439-09-28