قررت إحدى المنظمات السعودية تغيير الرئيس التنفيذي لتعين رئيسًا تنفيذيًا جديدًا شديد الهوَس بما يسمى بمؤشرات الأداء، بدأت هذه الإدارة الجديدة بفرض قيم جديدة على المنظمة وأهداف لا يمكن تحقيقها بموارد وقدرات المنظمة جاعلة مما يسمى بمؤشرات الأداء (Key Performance Indicators) نبراسًا وعلامة بها تهتدي. تباهت الإدارة الجديدة بتحقيقها لجزء كبير من مما وضعته من أهداف خلال سنة واحدة وصفق لها مجلس الإدارة، ولكن السؤال الأهم ما الثمن؟ كان ثمن هذا الطيش الإداري إفساد بيئة المنظمة وخلق تنافسية سامة بين أفراد ووحدات المنظمة لتهرب كل واحدة منها من اللوم، كان الثمن ارتفاع معدل الدوران الوظيفي إلى ما يقارب 25%، نعم، من كل 100 موظف استقال 25 موظفًا معظمهم من الكفاءات التي كلفت المنظمة كثيرًا من المال والجهد والوقت للحصول عليها، كان الثمن رفع تكلفة الحصول على الكفاءات من السوق بنسب تصل إلى 30% مما كان تحصل عليه الكفاءات السابقة، كان الثمن تدمير سمعة المنظمة في سوق العمل.
يميل جزء كبير من المديرين إلى الإدارة بالأرقام متجاهلين أن الكيف له من الأهمية ما للكم، بل وربما يفوقه في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال يمكن للمنظمة أن تخفض تكاليفها لفترة ما، ولكن هل سيكون هذا الخفض مستدامًا؟ ما ضمان ألّا يؤثر هذا الخفض على تنافسية الشركة، بل وقدرتها على الاستمرارية؟ أذكر هنا قصة إحدى الشركات التي عينت رئيسًا تنفيذيًا قرر تخفيض موازنة التسويق بنسبة 80% مدعيًا أنه “مصاريف غير لازمة ” وفي نهاية السنة حققت الشركة خسائر للمرة الأولى وخرج متفاخرًا أنه استطاع تقليل الخسائر بخفضه للتكاليف وأنه لولا قراره “الحكيم” بخفض تكاليف التسويق لكانت الخسارة أكبر. هكذا أشخاص ينظرون لعمليات المنظمة كأرقام بشكل يتجاهل أدوارها النوعية يصلون في كثير من الأحيان بالمنظمات لنتائج كهذا المدير الجهبذ!
يشيع في المنظمات التي تطغى مؤشرات الأداء فيها على أي صوت آخر أن تكون منظمة خاوية موحشة متوحشة، تتعامل مع كل جزء فيها كعدد؛ فتكون بلا روح، جامدة، تعيسة البيئة، طاردة لا تجذب؛ فهي تدير الأفراد وكأنهم آلات تعمل ولا تفكر، تبذل ولا تُشكر، بل وتجعل كثيرًا من الموظفين متجاهلين لمهام أساسية في المنظمة لسبب بسيط: فهي “ليست من مؤشرات الأداء”.
إن لمشكلة الإدارة بالكم لا الكيف أنها تصنع بيئة تندفع لقولبة جميع العمليات داخل المنظمة ضمن إطار كمّي مادي بحت يجعل المنظمة شديدة التعطش للنتائج قصيرة المدى. إضافة إلى ذلك، أحد أبرز مشاكل هوس مؤشرات الأداء أنه يخلق منظومة عمل تهتم بالنتيجة وتهمل السبب والتفسير ما يدخل المنظمة في حلقة مفرغة تبحث عن النتائج بشكل ميكافيلي مبدأه واحد لا يحيد عنه، الغاية تبرر الوسيلة، كما أن هكذا إدارات -لا تبالي بالأفراد- تخلق بيئة خصبة للتنافسية السامة والسلوك غير المهني ومعدلات الدوران العالية للموظفين عمومًا وللكفاءات خاصة.
وأخيرًا، ينبغي على واضعِ مؤشرات الأداء أن يراعي ثلاث نقاط رئيسة:
أولًا: التفسير الكيفي المنطقي؛ فالكيف له من الأهمية ما للكم، بل ربما يفوقه إذ أنه يلعب دورًا مهمًا في شرح ما تعنيه هذه الأرقام.
ثانيًا: الاستدامة ولست هنا أعني الاستدامة البيئية، بل استمرارية المنظمة في تحقيق أهدافها، فمن السهل تحديد أهداف خيالية وتحقيقها خلال فترة زمنية قصيرة منظورة، ثم ماذا بعد؟
ثالثًا: بالإضافة لأخذ ما يعرف بالأهداف الأذكى (SMARTEST Goals) في الحسبان وهي على التوالي الدقة، قابلية القياس، قابلية التحقيق، العلاقة، الفترة الزمنية، التقويم والمراجعة، الدعم، الثقة.
21-06-1444 هـ
- مصدر الصورة: Flowing Data