عشرون باريتو وإدارة أهدافك

قياسي

للاقتصادي الإيطالي فليفريدو باريتو قاعدة شهيرة تسمى قاعدة 20/80، يقول باريتو فيها أن 80٪ من النتائج يمكن الحصول عليها من خلال 20٪ من الأسباب، وبالرغم من أن هذه القاعدة قد استخدمت في الأساس لتحليل العلاقات الاقتصادية والعملية، إلا أنه وبمرور الزمن أثبتت صلاحيتها للتطبيق حتى في حياة الأشخاص العامة؛ ومن ذلك أن تحقيقك لـ80٪ من أهدافك أمر يكفله لك 20٪ من الأعمال اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، ولتوضيح أكثر سأفترض أن عملية انتقالك من المنزل لعملك تتطلب 10 خطوات فإن اثنتان منها فقط تحقق لك 80٪ من النتيجة، فيما تحقق لك الخطوات الثمان المتبقية  الـ20٪ الأخرى.

فكر في ذلك.. الاستيقاظ، الاستحمام، اللباس، حقيبة العمل، ركوب وسيلة النقل، تشغيلها، قيادتها للعمل، البحث عن موقف، دخول مقر العمل، البصمة، وهذه عشر من الخطوات اثنتان منها تحقق لك 80٪ من النتائج، -أي انتقالك إلى العمل- وهما الاستيقاظ وقيادة السيارة وذكري لهذا المبدأ دعوة للتركيز على ما تقوم به، ركز على الـ٢٠٪ من الأسباب التي تحقق لك الـ٨٠٪ من أهدافك.

 

في الأسبوع الماضي نشرت تدوينة حول أهمية التغيير وربط ذلك التغيير بالهدف ووصلتني العديد من التعليقات حول حقيقة تلك الأهداف وكيفية تحقيقها، بل ومواجهة الصعوبات المتعلقة في إدارتها وربما هذا ما دعاني إلى كتابة هذه التدوينة، ولعلي أسرد فيها بعض النصائح حول أمرين، صناعة الهدف وتحقيقه، وما بين الأمرين من إدارة له.

 

أولًا- لا تستنسخ أهداف الأخرين، فمن السهل أن ترسم مسار حياتك بالاعتماد على ما يسمون بالأشخاص المُقَارنين، كأن تستنسخ أهداف والدك، ابن خالتك، صديقك، بمعنى أن فلانًا توجه نحو المسار المهني (أ) وحقق نجاحًا فيه إذًا أنا سأتوجه له؛ لا مانع من اقتباس بعض الخطوات والمسارات من حياة بعض القدوات إن كنت ترى في نفسك توجهات حقيقية نحو هذه المسارات، وليكن لديك أهدافك الخاصة التي تجعل منك شخصًا آخر، لا نسخة من صديقك الذي سلك طريقًا فسلكته الخطوة نحو الخطوة، ودعوتي هنا للابتكار لا تعني التفرد في كل شيء، فأنت لست في محل سليمان الراجحي، أو ستيف جوبز، ولكن ضع لمساتك الخاصة المناسبة لك.

ثانيًا- كن مرنًا ولا تدع غيرك يرسم حياتك، لماذا تسمح للجامعة (س) أن تنهي حلمك؟ ولماذا تترك الفرصة لـ (ب) من الناس أن يرسم حياتك؟ نعم إن الإصرار أمر مطلوب بل حجر زاوية في تحقيق أي هدف ولكن قد تحتاج لقليل من المرونة في بعض الأحيان، غير خططك، طرقك، بل وغير أهدافك فهي ليست قرآن منزل، ولا تترك الفرصة لأي أحد أن يحدد أنك غير صالح لشيء ما؛ فلم يمكث توماس أديسون في المدرسة إلا أقل من 3 أشهر ثم خرج منها مطرودًا فقد صنفوه بأنه متخلف عقلي! لم تسمح والدة أديسون لأحد أن يرسم هدفها وحياة ابنها، فعكفت على تعليمه في المنزل، علمت ابنها في المنزل، ابنها الذي سَجل باسمه 1093 براءة اختراع، فشكرًا لهذه الأم التي اتصفت بالمرونة ولم تسمح لناظر المدرسة أن يرسم حياة ابنها كيفما شاء.

ثالثًا- ليس عيبًا أن تضع هدفك على قائمة الانتظار، من أخطر ما يواجه الناس عند فشلهم في تحقيق بعض الأهداف هي ردة الفعل العكسية، على سبيل المثال إذا فشل أحد الأشخاص في الحصول على وظيفة معينة، ينقسم الناس عادةً في هذا الوضع إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول قسم ينتهي هذا الهدف بالنسبة له ويصرف النظر عنه ويبقى كالحلم يأتيه بين الفينة والأخرى في أما القسم الثاني فيجعل حياته معلقة، راكدة، طوال هذه الفترة حتى تتسنى له الفرصة لإعادة المحاولة مرة أخرى، وكلا القسمين في وضع خاطئ، إن التصرف الصحيح -وهذا هو القسم الثالث- في هذا الوضع هو أن تضع هذه الهدف على قائمة الانتظار وأن تعمل على أهداف أخرى، وقد تكون تلك الأهداف مستقلة، أو ذات علاقة، أي أن فشلك في الحصول على قبول ماجستير بتخصص الاقتصاد -كما في حالة أحد الأصدقاء- أمر يدعوك لتعليق هذا الهدف والعمل على أهداف أخرى قد تزيد فرصك في الحصول على القبول في العام القادم، كتطوير مهاراتك البحثية ورفع درجاتك في الاختبارات القياسية (قياس الجامعيين مثلًا) ومن الممكن أن تعمل على تحقيق أهداف أخرى ليست ذات علاقة خلال هذه الفترة، كتعلم لغة جديدة، أو تجاوز بعض الاختبارات المهنية. باختصار: لا تضيع وقتك في انتظار اتاحة الفرصة مرة أخرى.

رابعًا- راعِ المرحلية في تحقيق الأهداف، هنا تبرز مشكلة شائعة، الكثير يرغب بالهدف الرئيسي دون العمل بشكل متدرج لتحقيقه ثم يكتشف فجأة فشله في تحقيقه، اعتقد أنه يمكنني أن اشبه الأهداف بالمقررات الجامعية التي لها متطلبات سابقة؛ لن تحصل عليها إذا لم تحقق متطلباتها السابقة.

إن تقسيم الهدف الرئيسي لأهداف صغيرة اسميها “الأهداف المرحلية” أمر يساعد على ترتيب الأولويات وتحقيق التكامل والتناغم الذي ينتهي بتحقيق الهدف الرئيسي وليتضح المقال فهذا مثال، هدف الحصول على شهادة البكالوريوس في تخصص ما وبتقدير ما هو هدفك الرئيسي، ويمر تحقيق هذا الهدف بالعديد من الأهداف المرحلية والخطوات الصغيرة، كتجاوزك لكل مقرر في الخطة الدراسية، فكل مقرر هو هدف صغير (مرحلي)، وكل متطلب في أي مقرر كالأبحاث والعروض التقديمية هو هدف أصغر، وهكذا.

خامسًا- لا تكن ذاك الشخص الذي يمتهن الاعتذار، إن قول العذر أمر سهل، وقد تحصل على القبول من الآخرين، قد تصدقك والدتك أن المقرر الجامعي صعب وأن استاذه يكرهك ولكن وبمرور الوقت ستندم وسيؤنبك ضميرك لأنك أضعت تلك الفرصة ومن أضاعها سواك؟ لذا لا تكن كمشجعي بعض الأندية الكروية ومنسوبيها، لا مهنة لهم إلا اختلاق الأعذار، فمرة أخطأ الحكم، ومرة ظلمهم رئيس لجنة الحكام، ومرة حابى الاتحاد المحلي خصمهم… إلخ ذلك من الاعذار الواهنة، أنا ادعوك لتكون كتلك الفرق التي تعمل على نفسها بشكل جيد، فتنتصر وتحقق أهدافها، ولو ظلمهم الحكم، ولو حابى من حابى خصمهم، كن كذلك واهزم الجميع!

 

ومن المقبول القول بأنه يفشل بعض الناس لأنهم لا يعرفون ما الذي يريدونه بالضبط، ويفشل الكثير من الناس لأن معرفتهم بالذي يريدونه ليست كافية لتحقيقه بدون إدارة عملية تحقيقه بشكل صحيح.

 

وضع في بالك.. المعرفة لا تكفي بدون عمل !

هـ1439-08-07