بين الملكية الخاصة والعامة،، خير الأمور أوسطها

قياسي

للاشتراكية أب يدعى كارل ماركس قاوم الفلسفة الرأسمالية وأشتهر بتلك المقاومة, فماركس يرى أن الرأسمالية تستغل العمالة وتقلل من أهميتهم, فقد نقد ظلم الرأسمالية للعامل فهي تعطيه أقل من حقه, فهو ينتج لها أكثر مما تقدمه هي له من أجر, وإن كان ماركس يدعي بأنه نصير للعمال عبر مقولته الشهيرة “يا عمال العالم اتحدوا” –

التي كانت شعارًا لعصبة الشيوعيين-, فإن ماركس قد ظلم العمال واعتبرهم مجرد آلات مادية, وله نظريات بإلغاء الخصوصية الاجتماعية -التي عبر عنها بالخصوصية المحلية- التي يتفرد بها كل مجتمع, التي سخر منها بتسميتها بـ”خصوصية متخلفة”, فهو ينظر إلى أنه يمكن مساواة العمالة في كل مكان في التعامل معهم بناًء على توجهاتهم وتفكيرهم واعتقاداتهم…الخ , وقد انكشف ضعف هذه النظرية عندما وقع الزعيم الاشتراكي لينين في مأزق عند تعامله مع هذه الأمور.

 

ورغم سوء ما نادى له ماركس, فإن له نظرية جميلة تتلخص في رأي يقول فيه بأن النقد لا يجب أن يكون مخزنًا للقيمة ولا معبرًا عنها, فهو يرى أن يكون العمل (العامل) والمادة الخام مصادرًا للقيمة, تقيم الأشياء عبرها, وقد سبقه الخليفة الراشد الرابع في ذلك فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه “قيمة الإنسان فيما يحسنه” ولتوضيح هذه النقطة, سنرجع إلى عصور ما قبل العملات, عندما كان الناس يشترون حاجياتهم بأسلوب المقايضة, فقلما يحدث غبن عندما تتم عملية الشراء عبر التقايض, فمكيال الملح يقدر بنفس ما يساويه من السلع الأخرى, لا كما يحدث في وقتنا مع النقود, فجهازك الذي تقرأ منه, بيع عليك بأضعاف مضاعفة عما كلف صانعه وبائعه. ولعل هذه النظرية, تعبر عن رفضه لما آلت إليه الحال من ضياع للأموال والموارد نتيجة لتفشي الربا بسبب المبالغة في تقدير السلع والجشع في بيعها.

 

ولعل المطلع لما أسس له ماركس من شيوعية تنادي بإلغاء الملكية الخاصة التي يرى بأنها السبب في تقدير العمالة بأقل من قيمهم؛ نتيجة للجشع, وأساس ماركس هذا يتعارض مع ما جبل عليه البشر, فكل إنسان لديه نزعة للتملك, وإن كانت متفاوتة بين الناس, وإلا فما الدافع الذي يدفع العامل للعمل بجد وإجتهاد؟ ونادى ماركس بالملكية العامة المطلقة كمعارضة للرأسمالية التي أفرزت مجتمعًا ماديًا لا هم له إلا الكسب بأي طريقة, دون أن ينظر الكاسب فيه إلى كسبه هل يضر غيره؟

والمتأمل في حال الدول الرأسمالية, سيجد أن الدولة سُلمت بكاملها لمجموعة من التجار الذين لا يرقبون فيها إلا ولا ذمة, فضيعوا مقدراتها ووجهوها نحو الهلاك والفساد, وبالمثال يتضح المقال, فأمريكا دخلت في حروب وتسببت بنشوب حروب؛ لسيطرة المصرفيين فيها تارة ولسيطرة قطاع التصنيع العسكري عليها تارة أخرى, وللتمثيل على ذلك فدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي خلال الفترة 2001-2006 قائد حرب العراق هو وكيل مشاريع مؤسسة البحوث العسكرية وفي نفس الوقت هو المشرف على تنظيم الصفقات العسكرية لها, كما أنه يعمل في الفترة الحالية بعد تقاعده مديرًا لأحدى أكبر شركات النفط الأمريكية, وللتمثيل على آثار سيطرة المصرفيين فقد تسبب كبار المصرفيين -اليهود- فيها بنشوب الحرب العالمية الثانية, بسيطرتهم على الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت.

ومما نحمد الله عليه أن ولدنا مسلمين, فديننا قد قرر الملكيتين الخاصة والعامة, وقيد كل منها بقيود, ومما يدل على الملكية العامة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم”المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار” فالأشياء التي ترتبط بها مصالح الناس قيد الشارع حق تملكها ونهى عن أن يستأثر فيها أحد دون الآخر, ولنا في قصة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وبئر رومة خير دليل على أن الضرر للناس بالملكية يزال, وقد عبر العلماء عن ذلك بقاعدة شرعية عامة بقولهم “الضرر يزال”, ومما يدل على وجود الملكية الخاصة قوله تعالى (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا), والمتأمل لحال الدول الإسلامية يرى بأن مفاصلها لا تملك للتجار, كما في حال المملكة فإن القطاعات الهامة كالتعليم والصحة والدفاع وغيرها ملك للدولة فقط, ولا ضير عندها في أن يتملك الاستثماريون قطاعات أقل أهمية, كما فعلت في قطاعي الاتصالات والطيران.