الربا.. وخراب الدنيا

قياسي

(يمحق الله الربا ويربي الصدقات) يذكر المؤرخون أن الفينيقيين هم أول من تعامل بالربا, ومن أشهر مستعمراتهم التي تعاملت بالربا مستعمرة كارتاجينا -التي تسمى تونس حاليًا- وبحسب الدكتور محمد المبارك فإن الربا هو “هو تأجير رأس المال النقدي لمدة معينة بمقابل أجرة ثابتة”.

ولتوضيح كارثية الربا فقد كتب أحد العلماء الغربيين -الذين ينبذ معظمهم الربا- عن أضرار الربا وضرب مثالًا يبين كارثيته فيفترض أن رجلًا اقترض من رجلٍ دولارًا بفائدة بسيطة في سنة0 للميلاد على أن يستحق المبلغ في سنة 2000 وعند حساب المبلغ فإن جميع أموال العالم لن تكفِ لسداد ذلك القرض، والمتأمل في كثير من قروض البنوك التجارية فإنه يرى أنها تعتمد على نظام الفائدة المركبة أي أن صاحبنا لو اقترض من بنك في سنة 0 بفائدة مركبة مقدارها 5٪ سيسدد هذا القرض في سنة 2000 للميلاد برقم يكتب ربالشكل التالي:- 2000000000000000000000000000000000000000000 (أقرأت الرقم؟) الرقم هو إثنان وبجانبه إثنان وأربعين صفرًا، أي 2 سيلتيون، والفائدة المركبة تختلف عن البسيطة في أن البسيطة تحسب على أصل المبلغ فقط، بينما تحتسب المركبة على أساس أصل المبلغ وما أضيف إليه من ربا، -نسأل الله السلامة-.

والحكمة من تحريم الربا بينة، إذ أن الأصل في القرض الإحسان والإرتفاق، لا التكسب والمتاجرة، كما أن في الربا تحيز للمال على حساب العمل وهذا التحيز يتسبب في فساد الاقتصاد وتعرضه للهزات وتحريم الربا يحقق الاشتراك بين المال والعمل فلا يطغى أحدهما على الآخر، كما أن الإسلام لا يقر الربح بدون عمل؛ لأنه مدعاة الكسل والمفسدة، ولا دليل أدل من الأزمات العالمية على أن مآل الربا المفسدة فمنشأ معظمها الربا فالله {يمحق الربا ويربي الصدقات}، وأزمة سبتمبر 2008تقر بذلك، فتلك الأزمة التي أفلس بسببها أكثر من 140 بنكًا أمريكيًا وغيرها الكثير في كافة بلدان العالم، ونشأت تلك الأزمة بسبب الربا، فالأمريكي كان يشتري المنزل بالبطاقة الإئتمانية وسداد قرضه العقاري يكون عن طريق البنك التجاري الذي يتعاملالربا، وعلى ذلك فإن نسبة الربا تزيد بزيادة سعر العقار كل سنة، لذلك سميت تلك الأزمة بأزمة الرهن العقاري.

ومما لا شك فيه أن شريعة الله تامة تامة،وأن الدين الذي إرتضاه الله لخلقه لا يقف عاجزًا عن شيء قط، وعلى ذلك فإن للربا بدائل كثيرة، كالمشاركة والمضاربة وغيرهما، ولكن ابناء آدم يطغى بعضهم على بعض-إلا من رحم الله-ومن سبل الطغيان طغيانهم في المعاملات المالية وأصدق القائلين يقول {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى} (العلق6-7)، والربا محرم في جميع الشرائع السماوية {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِالآية(النساء 161)، وللربا نوعان رئيسان وهما ربا القروض وربا البيوع وربا البيوع يقسم إلى قسمين ربا الفضل وربا النسيئة ومما يدل على ذلك ما ورد في الحديث “يداً بيد مثلاً بمثل..الحديث” (رواه مسلم)، وأما ربا القروض فهو زيادة على مبلغ القرض من نفس جنس القرض كأن يطلب منه رد المبلغ بأكثر أو أن يرجئه بعِوَض وبالنسبة لربا البيوع فهو قسمان، فضل ونسيئة، فالفضل زيادة في العوض فيما يجري فيه الربا كبيع صاع التمر بمد تمر -ولو كان مختلف النوع-، والنسيئة وهو تعاوض بين إثنين مع قبض أحدهما دون الآخر فيما يجري فيه الربا، كبيع أوقية ذهب حالة بأوقية ذهب تسلم بعد شهرين.

– موكل الربا وآكله الربا ملعونين وشاهديه وكاتبه -كما في نص الحديث-، فهل من مرتدع؟

– عنوان المقالة هو اسم لكتاب جميل كتبه الدكتور حسين مؤنس.