الفكرة عظيمة ولكن المخرجات رديئة !

قياسي

تذكر بعض المصادر أن عدد الأفكار التي تجول في دماغ الإنسان يتجاوز 15000 فكرة يوميًا، وهو رقم كبير؛ فإذا افترضنا أن متوسط نوم الإنسان هو 7 ساعات يوميًا فإنه يفكر في الساعات المتبقية أكثر من 880 فكرة في الساعة، أي 14 فكرة في الدقيقة الواحدة، وهنا نتساءل جميعًا من أين تأتي تلك الأفكار؟ أين تذهب؟ بل وأين أثرها على الإنسان؟

إن الفكرة التي قد تأتيك من إجابة صديق على سؤال وجهته له، أو موقف حدث أمامك، أو أثناء استحمامك -كجزء كبير من هذا المقال- قد تؤثر على أمور قد لا تتصورها؛ فقد تؤثر على علاقاتك، توجهاتك، عملك، بل حياتك بأكملها، ولكن ما الذي يجعل بعضًا من هذه الأفكار مؤثرة والبعض الأخر قد لا يتجاوز دماغك؟

ولنتفق بداية على أن توجهات الأشخاص ودافعيتهم هي ذات الأثر الأكبر ولكن هناك نقطة لا تقل عنهما أهمية، بل قد تساهم في خلق وتشكيل التوجهات والدافعية، وهي تقييد الأفكار، وليس المقصود وضع قيود تكبلها، بل كتابتها؛ فالقيد هنا حرية لا سجن، فالفكرة الباقية في الدماغ فكرة مسجونة، وعلى النقيض تلك المقيدة في ورقة أو هاتف أو حاسوب، وشتان بينهما!

ولذا فإن كتابة الأفكار وتدوينها أمر يصنع فارقًا كبيرًا بين من يدونها -ولو كانت أفكارًا بسيطة- وبين ذلك الشخص الذي يبقيها حبيسة ذهنه، فالذاكرة تنسى ولو بلغت من القوة ما بلغت، ولا أبلغ في الحديث عن ذلك من قول الشاعر:

العلم صيد والكتابة قيده.. قيد صيودك بالحبال الواثقة

ولعل من المناسب -وبشكل سريع- أن أطرح تجربتي في تدوين الأفكار وما الفوائد التي تحققت لي من وراء هذا الأمر؛ فأنا كأي شخص يسكن في مدينة الرياض، جزء كبير من يومي يذهب في زحمة الطرق وخلال ذلك تأتي العشرات إن لم تكن المئات من الأفكار، ولذا فقد كان ومازال خياري المفضل لتدوين الأفكار تقييدها بواسطة التسجيلات الصوتية، ولا أبالغ إن قلت أنه لو سمع شخص تلك التسجيلات لظن أنّي مجنون، فأنا أشرح الفكرة لنفسي وأضع الأمثلة والروابط والشواهد؛ ولذلك دواعٍ ماسة، فإن لم يكن صاحب الفكرة ملمًا بها فمن سيكون؟

 

وبالنسبة لي، فإن أبرز ٣ فوائد حصلت عليها من تدوين الأفكار:

أولًا: حضور الذهن واتقاده، ففي الكتابة أو التسجيل تثبيت للفكرة وعرضها مرة تلو المرة على العقل، ما يحفظها ويحسنها ويطورها، كما أنه في عملية التدوين يحدث ربط للفكرة بالحياة الواقعية، بالأمثلة والشواهد وغيرها.

ثانيًا: تحسين جودة أعمالك ورفع مستواها، وهذا ملاحظ مجرب؛ فالمقالة التي أدون أفكاري عنها قبل أن أكتبها تخرج بصورة نهائية أفضل من تلك التي أكتبها مباشرة، وعلى ذلك يمكن قياس المحاضرات التي ألقيها والأبحاث التي أجريها بل وحتى عند تقديمي لمشورة أكاديمية أو أخرى تتعلق بالأمور الإدارية والتسويقية.

ثالثًا: تنمية القدرات النقدية، ففي عملية تقييد الفكرة عملية استعراض كامل للفكرة، بإيجابياتها وسلبياتها، والذي جربته في عملية التدوين أن أستعرضها مع عمل ما يمكن وصفه بالحوار، فأنا أطرح الفكرة على نفسي ثم أعرض عليها الأمثلة، ثم أبحث في نفس الأمثلة عمّا إذا كانت منطقية مقبولة أو لم تكن ذلك، وهكذا حتى أخرج بفكرة منطقية، على الأقل بالنسبة لي!

 

وبعد ذلك قل لي، ما هي طريقتك في التعامل مع الأفكار؟

ودائمًا تذكر.. “إن أسوأ أنواع الحبر أفضل من أقوى ذاكرة حديدة”.

 

هـ1439-09-14