“ما تفعله دائمًا هو أنت”*

قياسي

شاهدت ذات يوم جزء من خطبة محفزة، ألقاها رجل بمناسبة حصوله على درجة الماجستير، وكان من جملة ما قال فيها مقولة نسبها لأبيه، وأثرت فيّ كثيرًا، فقد قال الأب -الذي لم يتجاوز الصف الثالث ابتدائي- لابنه ” النجاح في شيء لا يأتي من فعل لحظي، بل هو نتاج عادة”، تلك المقولة جعلتني أعيد النظر في سير معظم من أعرفهم من الناجحين لأجد أنهم جميعًا لم ينجحوا من باب المصادفة، فذلك طلب العلم عشرين سنة قبل أن يصبح عالمًا، وذاك جرب مئات التجارب حتى وصل لاختراعه الناجح، والأخر قرأ مئات الكتب قبل أن يكتب كتابه الفريد، وعلى ذلك قس.

ومن محاسن الصدف أن اجتمع علي سماع هذه المقولة مع تجربة أخوضها في هذا الشهر المبارك، فقد قررت أن أعزز مجموعة من العادات الحالية خاصة تلك التي أقوم بها بشكل متقطع، ومن الجهة الأخرى عملت على اكتساب بعض من العادات التي لطالما حاولت اكتسابها ولكني كنت أفشل في كل مرة، ولكن بماذا خرجت من تلك التجربة بعد مرور 21 يومًا منها؟

أولًا- مهارة الربط: وفيها قمت بربط العادات بأنشطة محببة لي؛ فلتعزيز عادة أفتقدها حاليًا وهي عادة القراءة المنتظمة قمت بربط القراءة بنشاط محبب لي، وهو نشاط نشر مقتطفات من الكتاب الذي أقرأه مع القليل من التعليقات، وهنا أصبح النشاط المحبب محفزًا لي بالاستمرار بأداء ما أريد أن اكتسبه كعادة.

ثانيًا- مهارة التخصيص والتهيئة: وفي هذه المهارة يمكن القيام بتخصيص أدوات أو معدات وربطها بالعادة المراد اكتسابها، ولذا فقد قمت بتخصيص هاتف قديم وربطته ربطًا تامًا بعادة القراءة، وبالتأكيد وفرت فيه جميع الوسائل المساعدة من كتب وبرمجيات للقراءة، بل أنّي قمت بتغييرات في شكل الهاتف الخارجي لمنحه مظهرًا يجعلني أحب استخدامه، والنتيجة أنني قرأت -حتى وقت كتابة المقال- ما يقارب الـ 1500 صفحة.

ثالثًا- مهارة الدمج: وفي هذه المهارة ربط للعادات ببعضها أو ربطها مع أنشطة يومية؛ فلأداء الصلاة جماعة أحتاج أن أمشي لمسجد يبعد عن منزلي 100 متر تقريبًا، ولأن من أهدافي تعزيز عادة القراءة واكتساب رياضة المشي كعادة يومية؛ فقد قررت أن أذهب لإحدى الصلوات مشيًا لأصليها في مسجد يبعد عني ما يقارب 1.5 كيلو، على أن استغل الوقت ذهابًا وإيابًا بالقراءة، ولو لم أفعل ذلك فقد كنت سأضيع ساعة من الزمان لأداء نشاط المشي لوحده، أي أنني بمهارة “الدمج” قد اصدت 3 عصافير بحجر واحد !

 

وبعد هذا السرد لأبرز المهارات التي خرجت بها يجدر بي ذكر مجموعة من الأمور التي ساعدتني على انجاح هذه التجربة -حتى الآن-، وهي باختصار:

  • قائمة مهام، فبعد تحديد العادات وربطها بأنشطة يمكن قياسها قمت بإعداد “جدول أداء” لكل يوم من أيام الشهر وعند قيامي بأداء المهمة أضع في الخانة المقابلة لها علامة ✓.
  • لا للزيادة، عندما تنتهي من نشاط توقف مباشرة وأنصرف لنشاط أخر وإن كان لديك فسحة من الوقت؛ فكما أن النقص سلبي فالزيادة سلبية؛ فقد ترتخي في اليوم التالي بحجة أنك أنجزت في اليوم السابق الكثير.
  • كن حازمًا، على سبيل المثال كنت أشعر كل من يرغب بمشاركتي بنشاط المشي بأني لن اتحدث معه أبدًا، بل سأكون مشغولًا بالقراءة وعليه أن يجد ما يشغله، وبذلك تخلصت مما قد يؤثر على إنجازي لهذا النشاط.
  • لا تسوف أبدًا، من أخطر ما قد يؤثر على إنجاز المهام واكتساب العادات التسويف، فالمهام المستقبلية لن تنتظر انتهاءك من التي قبلها لتأتي !

 

والآن، فكر في عاداتك الشخصية، فكر في تلك التي ترغب تعزيزها والأخرى التي يجب أن تكتسبها، وتذكر دائما مقولة أرسطو -التي أخترتها عنوانًا للمقالة: “ما تفعله دائمًا هو أنت”.

 

 

عبدالله الغزي

هـ1439-09-21