شهوة الكلام ونظرية كلود ستيل..!

قياسي

في عام ١٩٨٠ خرج “كلود ستيل” بنظرية أحدثت ضجة كبيرة؛ وسبب ذلك أنها قدمت تفسيرًا علميًا لأسباب قيام بعض الأشخاص بتصرفات غريبة قد تتعارض مع قيم المجتمع وما يتعارف عليه، وسمى “كلود” تلك النظرية بنظرية تأكيد الذات (Self-Affirmation)، ومازالت هذه النظرية قيد الاستخدام لتفسير العديد من التصرفات خاصة فيما يتعلق بذلك الوضع الذي يسعى فيه البعض لتأكيد الذات من خلال الاستعراضات المختلفة للحالة العاطفية أو المالية أو حتى تلك التي تنطلق من المنطلقات العرقية والقبلية.

قبل مدة كتبت مقالًا عنوانه “تغريدك أوكا، وفوك نفخ!!” تطرقت فيه لبعض المشاكل التي تحدث بسبب اللا قيود في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن اعتبار هذا المقال مكملًا للسابق ولكن مع التركيز على نقطة واحدة وهي نقطة الكشف والاستعراض بالحياة الخاصة أمام الملأ، أي الاستعراض بالحياة العاطفية؛ فتجد البعض يسعى للحصول على الشهرة أو المال وغير ذلك من خلال الارتباط بشخصية مشهورة، فيما يختار البعض نشر حياته الشخصية العاطفية ليحصل على الانتباه أو الشهرة أو لتعويض نقص يشعر به.

ولا يهم لدى البعض ما مآل هذه التصرفات ولا عاقبتها. ولا أشبه بهم إلا ذلك الأعرابي الذي بال في زمزم ليذكره الناس، ولكن الناس نسوه ولم ينسوا فعله القبيح، ولم تبرر غايته الوسيلة أبدًا، وهكذا هم، يظنون أن الناس سينسون أفعالهم القبيحة، ولكن كيف ينسونها وشبكات التواصل الاجتماعي لا تنسى أي شيء!

كمتخصص، إن أحد أهم الأمور تحديدًا لمدى صلاحية المتقدم للوظيفة هو الحصول على معلومات عنه من خلال حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد حدث لي هذا الأمر غير مرة، بل تحولت بعض المقابلات الوظيفية لنقاش حول بعض الآراء والمنشورات التي أضعها في حسابي في تويتر.

ولكن المشكلة في أن البعض تغريهم شهوة الكلام، فتجدهم يتحدثون في كل شيء، سواء فيما يعرفون أو ما لا يعرفون، المهم أنهم يحبون أن يشاركوا، ويحسبون أن مقولة سقراط: “تكلم حتى أراك” مناسبة لكل مكان وزمان، ونسوا مقولة تنسب لمحمد الرطيان: “كان يستره الصمت، تحدّثَ؛ فتعرّى” ولذا فمع مرور الأيام تجد أنه من السهل أن تكتشف تناقضهم، بل وانحيازهم لأراء متطرفة؛ فهم يقولون ما لا يعقلون، فالأمر عندهم تحدث وتحدث ثم تحدث.. ظنًا بأنهم سيظهرون بمظهر “الخبير” في كل شيء، في حين أنهم قد لا يفقهون أي شيء! ولكنها شهوة الكلام وحب الظهور.

إن من الصعب أن يقاوم كثير من الناس شهوة الكلام، ولذا فقد قال البعض مقاومة شهوة الكلام عند كثير من الناس وينسون قصة الحكواتي الذي استأجره العجوز ليحكي له ويؤنسه حتى مل منه العجوز وقال له، اصمت وسأعطيك أجرتك وأكثر، فأنصرف الحكواتي وهو يقول: “إذا كان الكلام من فضة، فالصمت من ذهب“، فذهب قوله مثلًا.

 

وأخيرًا، يقول أحد المتخصصين بالموارد البشرية: تعرض علي في بعض الأحيان سير ذاتية لبعض الأشخاص بغرض تقييمهم ومعرفة مدى مطابقتهم لمتطلبات وظيفة ما، ولكن قبل أن اطلع على سيرهم الذاتية بعمق وتأمل، أنصرف إلى وسائل التواصل الاجتماعي وأبحث عن حساباتهم فيها، وبالتأكيد لن أوصي بمن أجد له رأيًا في كل شيء!

 

هـ1439-11-03