الإدارة بطريقة الكشتة !!

قياسي

في يوم من الأيام قرر مجموعة من الأصدقاء القيام برحلة برية وقاموا بتجهيز ما يلزم لها وانطلقوا، وبعد وصولهم للمكان المنشود شرعوا بتجهيز وجبة الغداء ليكتشف “الطباخ” بأنهم لم يحضروا “الملح”، فقال متأففًا: “اوووه نسينا الملح” ليبدأ مسلسل تبادل الاتهامات، وهنا تدخل أمير الرحلة ليفض هذا النزاع وينهي هذا الخلاف؛ فطلب من الطباخ الاستعاضة بقطع “الماجي” كبديل للملح، فعمل الطباخ بما قيل له، “وكثر الماجي” وهكذا تم حل المشكلة، ولكن بمشكلة أخرى؛ فكثرة الماجي سببت لمن تناول تلك الوجبة آلامًا في المعدة وما إلى ذلك. وهكذا يفعل كثير من المديرين في الحياة العملية !

ولعل أبلغ شيء يمكن توصيف العملية الإدارية به هو الساعات؛ فالساعة تتكون من الكثير من المكونات وجميعها مترابط ببعضها وينبغي أن يكون توزيع القوة فيما بينها متساويًا كما ينبغي أن يكون مستوى الجودة متشابهًا أو متقاربًا، ولو فرضنا أن أحد تروس الساعة مكسورًا أو يعمل بشكل غير جيد؛ فالنتيجة معروفة: لن تعمل الساعة بالشكل الجيد، وهذا ما يحدث في شركتك أو مشروعك، فاختيارك لمكون سيئ أو محاولتك لتعويض مكون أساسي بشيء “يمشي الحال” قد يوصلك إلى حالة لا يعمل فيها مشروعك بالشكل المطلوب، وفي عبارة أخرى لا يحقق الأهداف المطلوبة من مبيعات وانتشار وتوسع وأرباح وغير ذلك.

ومن الأمثلة الواقعية على هذه الحالة إحدى العلامات التجارية في نشاط المطاعم والتي كان يتوقع لها مستقبلًا باهرًا قد انتقلت ملكيتها إلى شخص يدير أعماله بطريقة “إدارة الكشتة”، وإليكم ما حدث باختصار، استأجر المالك مقرًا أكبر وأفضل وفي موقع استراتيجي، ثم قرر أن يغير جنسية العمالة، فأحضر عمالة من جنسية لا تناسب نشاط مطعمه وهدفه هنا تقليل التكاليف؛ فالعمالة التي احضرها تأخذ راتب أقل! وللعلم، في مجالات كثيرة وخاصة في مجال المطاعم لكل نوع من الطعام والمطاعم جنسية معينة تصلح للعمل فيه، وبعد تغيير العمالة رأى المالك أن تركيب “شفاطات الهواء” الجيدة مجرد بذخ زائد، ثم أراد أن يقلل تكاليف شريحة “البرجر” ويقلل الوقت اللازم لاستوائها فزاد نسبة “الشحم” في كل شريحة، وبعد ذلك توصل هذا الرجل إلى أن التركيز على منتجات قليلة يعيق استغلاله لفرص تحقيق الأرباح من التنويع فأوصل قائمة الطعام التي كانت تحتوي ما يقل عن 5 أصناف إلى ما يزيد عن العشرين صنفًا، وليست هنا المشكلة، بل في أنه اصبح يقدم أصناف طعام آخر من قدمها أغلق مشروعه منذ 10 سنوات.

 

وللأسف هذا الرجل أفسد مشروعًا كان يتوقع له مستقبلًا باهرًا بسبب أنه عبث في أحد أهم مكونات نشاطه وهو نوعية العمالة؛ فللأسف العمالة الجديدة لا تناسب المنتج والنشاط من حيث أبجديات التعامل مع العميل  وكذلك التعامل مع المنتج، فأصبح الزبون ينفر من التعامل وينفر من المذاق؛ فهذا النوع من العمالة لا يناسب نشاط المطعم، كما أنه ونتيجة لزيادة الشحم في شريحة البرجر ولعدم مناسبة “شفاطات الهواء” فإن العميل اصبح يكره أن يدخل للمطعم كما أنه كره الأكل، فرائحة المكان ورائحة الأكل غير جيدة؛ بسبب زيادة الشحم وشفاطات الهواء، ويضاف إلى ذلك أن نوعية العمالة التي أحضرها لا تستطيع التركيز على هذا العدد الكبير من الأصناف ناهيك عن أن معدل دوران المخزون أصبح أبطأ ما يعني أنه اصبح يخزن المنتجات لفترات تزيد عن المدة المناسبة للمنتج؛ ومنتجات البرجر الطازج هذه غير قابلة للتخزين لفترة تزيد عن ما يقارب ١٦ ساعة وإلا فإن الطعم سيتغير وسيدرك العميل ذلك!

وليس من المفاجئ أن أقول أن هذا المشروع خسر وأُغلِقَ ولعل في هذا رسالة للكثير من المديرين، وهي “فرق بين إدارة المشاريع والشركات وإدارة الكشتات !”

عبدالله الغزي

هـ1440-05-26